فصل: تفسير الآية رقم (70):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التسهيل لعلوم التنزيل



.تفسير الآيات (26- 27):

{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27)}
{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} الضمير في عليها للأرض يدل على ذلك سياق الكلام وإن لم يتقدم لها ذكر، ويعني بمن عليها من بني آدم وغيرهم من الحيوان، ولكنه غلّب العقلاء {ويبقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجلال والإكرام} الوجه هنا عبارة عن الذات، وذو الجلال صفة للذات لأن من أسمائه تعالى الجليل، ومعناه يقرب من معنى العظيم، وأما وصفه بالإكرام فيحتمل أن يكون بمعنى أنه يكرم عباده كما قال في [الإسراء: 70] {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ} أو بمعنى أن عباده يكرمونه بتوحيده وتسبيحه وعبادته.

.تفسير الآية رقم (29):

{يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29)}
{يَسْأَلُهُ مَن فِي السماوات والأرض} المعنى أن كل من في السموات والأرض يسأل حاجته من الله، فمنهم من يسأله بلسان المقال، وهم المؤمنون، ومنهم من يسأله بلسان الحال لافتقار الجميع إليه {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} المعنى أنه تعالى يتصرف في ملكوته تصرفاً يظهر في كل يوم من العطاء والمنع، والإماتة والإحياء وغير ذلك وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأها فقيل له وما ذلك الشأن، قال من شأنه أن يغفر ذنباً ويفرج كرباً ويرفع قوماً ويضع آخرين وسئل بعضهم. كيف قال: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} والقلم قد جف بما هو كائن إلى يوم القيامة؟ فقال: هو في شأن يبديه لا في شأن بتديه.

.تفسير الآية رقم (31):

{سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ (31)}
{سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثقلان} معناه الوعيد كقولك لمن تهدده: سأفرغ لعقوبتك، وليس المراد التفرغ من شغل، ويحتمل أن يريد انتهاء مدة الدنيا، وإنه حينئذ ينقضي شأنها، فلا يبقى إلا شأن الآخرة فعبَّر عن ذلك بالتفرغ. قال الإمام جعفر بن محمد: سمى الإنس والجن ثقلين، كأنهما ثقلا بالذنوب.

.تفسير الآية رقم (33):

{يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33)}
{إِنِ استطعتم أَن تَنفُذُواْ مِنْ أَقْطَارِ السماوات والأرض فانفذوا} هذا كلام يقال للجن والإنس يوم القيامة أي: إن قدرتم على الهروب والخروج من أقطار السموات والأرض فافعلوا، ورُوي أنهم يفرون يومئذ لما يرون من أهوال القيامة فيجدون سبعة صفوف من الملائكة، قد أحاطت بالأرض فيرجعون، وقيل: بل خوطبوا بذلك في الدنيا؛ والمعنى: إن استطعتم الخروج عن قهر الله وقضائه عليكم فافعلوا، وقوله: {فانفذوا} أمر يراد به التعجيز {لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ} أي لا تقدرون على النفوذ إلا بقوة، وليس لكم قوة.

.تفسير الآية رقم (35):

{يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ (35)}
{يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ} الشواظ لهيب النار، والنحاس الدخان وقيل: هو الصفر يذاب ويصب على رؤوسهم وقرئ شواظ بضم الشين وابن كثير بكسرها وهما لغتان وقرئ نحاس بالرفع على شواظ وبالخفض عطف على نار.

.تفسير الآية رقم (37):

{فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (37)}
{فَإِذَا انشقت السمآء} جواب {إِذَا} قوله: {فَيَوْمَئِذٍ} وقال ابن عطية: جوابها محذوف {فَكَانَتْ وَرْدَةً كالدهان} معنى وردة حمراء كالوردة، وقيل: هو من الفرس الورد، قال قتادة السماء اليوم خضراء ويوم القيامة حمراء، والدهان جمع دهن كالزيت وشبهه شبه السماء يوم القيامة به لأنها تذاب من شدّة الهول، وقيل: يشبه لمعانها بلمعان الدهن، وقيل: إن الدهان هو الجلد الأحمر.

.تفسير الآية رقم (39):

{فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ (39)}
{فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ} السؤال المنفي هنا هو على وجه الاستخبار وطلب المغفرة إذ لايحتاج إلى ذلك، لأن المجرمين يعرفون بسيماهم، ولأن أعمالهم معلومة عند الله مكتوبة في صفائحهم، وأما السؤال الثابت في قوله: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر: 92] وغيره، فهو سؤال على وجه الحساب والتوبيخ، فلا تعارض بين المنفي والمثبت وقيل: إن ذلك باختلاف المواطن والأول أحسن.

.تفسير الآيات (41- 43):

{يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ (41) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (42) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (43)}
{يُعْرَفُ المجرمون بِسِيمَاهُمْ} يعني بعلامتهم وهي سواد الوجوه وغير ذلك والمجرمون هنا الكفار بدليل قوله: {هذه جَهَنَّمُ التي يُكَذِّبُ بِهَا المجرمون} {فَيُؤْخَذُ بالنواصي والأقدام} قيل: معناه: يؤخذ بعض الكفار بناصيته وبعضهم بقدميه، وقيل: بل يؤخذ كل واحد بناصيته وقدميه فيطوى ويطرح في النار.

.تفسير الآية رقم (44):

{يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (44)}
{يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} الحميم الماء السخن، والآن الشديد الحرارة، وقيل: الحاضر من قولك آن الشيء إذا حضر، والأول أظهر.

.تفسير الآيات (46- 48):

{وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (47) ذَوَاتَا أَفْنَانٍ (48)}
{وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} مقام ربه القيام بين يديه للحساب، ومنه: {يَوْمَ يَقُومُ الناس لِرَبِّ العالمين} [المطففين: 6]، وقيل: الله بأعماله، ومنه: {أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ على كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [الرعد: 33]، وقيل: معناه لمن خاف ربه واقحم المقام، كقولك: خفت جانب فلان، واختلف هل الجنتان لكل خائف على انفراده؟ أو للصنف الخائف وذلك مبنى على قوله: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} هل يراد به واحد أو جماعة؟ وقال الزمخشري: إنما قال جنتان، لأنه خاطب الثقلين فكأنه قال حنة للإنس وجنة للجن، {ذَوَاتَآ أَفْنَانٍ} ثنى ذات هنا على الأصل لأن أصله ذوات، قاله ابن عطية، والأفنان جمع فنن وهو الغصن، أو جمع فن وهو الصنف من الفواكة وغيرها.

.تفسير الآيات (52- 54):

{فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ (52) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (53) مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ (54)}
{مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ} أي نوعان {وَجَنَى الجنتين دَانٍ} الجنا هو ما يجتنى من الثمار، ودان قريب، ورُوي أن الإنسان يجتنى الفاكهة في الجنة على أي حال كان؛ من قيام أو قعود أو اضطجاع؛ لأنها تتدلى له إذا أرادها وفي قوله: {وَجَنَى الجنتين} ضرب من ضروب التجنس.

.تفسير الآيات (56- 58):

{فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (56) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (57) كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ (58)}
{قَاصِرَاتُ الطرف} ذكر في [الصافات: 48] {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنٌّ} المعنى أنه أبكار، ولم يطمئن معناه لم يفتضهن، وقيل: الطمث الجماع سواء كان لبكر أو غيرها، ونفي أن يطمثهن إنس أو جان، مبالغة وقصداً للعموم، فكأنه قال لم يطمثهن شيء، وقيل: أراد لم يطمث نساء الإنس إنس ولم يطمث نساء الجن جن، وهذا القول يفيد بأن الجن يدخلون الجنة ويتلذذون فيها بما يتلذذ البشر {كَأَنَّهُنَّ الياقوت والمرجان} شبه النساء بالياقوت والمرجان في الحمرة والجمال، وقد ذكرنا المرجان في أول السورة.

.تفسير الآية رقم (60):

{هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60)}
{هَلْ جَزَآءُ الإحسان إِلاَّ الإحسان} المعنى أن جزاء من أحسن بطاعة الله أن يحسن الله إليه بالجنة، ويحتمل أن يكون الإحسان هنا هو الذي سأل عنه جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: «أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك»، وذلك هو مقام المراقبة والمشاهدة، فجعل جزاء ذلك الإحسان بهاتين الجنتين، ويقوي هذا أنه جعل هاتين الجنتين الموصوفتين هنا لأهل المقام العلي، وجعل جنتين دونها لمن كان دون ذلك، فالجنتان المذكورتان أولاً للسابقين، والجنتان المذكورتين ثانياً بعد ذلك لأصحاب اليمين حسبما ورد في الواقعة، وانظر كيف جعل أوصاف هاتين الجنتين، أعلى من أوصاف الجنتين اللتين بعدهما فقال هنا: عينان تجريان وقال في الآخرتين: عينان نضَّاحتان، والجري أشد من النضح وقال هنالك: من كل فاكهة زوجان، وقال هنا فاكهة ونخل ورمان، وكذلك صفة الحور هنا أبلغ من صفتها هنالك، وكذلك صفة البسط ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جنتان من ذهب آنتيهما وكل ما فيهما، وجنتان من فضة آنيتهما وكل ما فيهما».

.تفسير الآية رقم (64):

{مُدْهَامَّتَانِ (64)}
{مُدْهَآمَّتَانِ} أي تضربان إلى السواد من شدة الخضرة.

.تفسير الآية رقم (66):

{فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ (66)}
{عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ} أي تفوران بالماء والنضخ بالخاء المعجمة أشد من النضح بالحاء المهملة.

.تفسير الآية رقم (68):

{فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68)}
{فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} خص النخل والرمان بالذكر بعد دخولهما في الفاكهة تشريفاً لهما، وبياناً لفضلهما على سائر الفواكه. وهذا هو التجريد.

.تفسير الآية رقم (70):

{فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ (70)}
{خَيْرَاتٌ حِسَانٌ} خيرات جمع خيرة وقال الزمخشري وغيره: أصله خيرات بالتشديد ثم خفف كمْيت وقرئ بالتتشديد، قالت أم سلمة يا رسول الله أخبرني عن قوله تعالى: خيرات حسان قال: خيرات الأخلاق حسان الوجوه.

.تفسير الآية رقم (72):

{حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72)}
{حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الخيام} الحور جمع الحَوراء: والمقصورات المحجوبات، لأن النساء يمدحن بملازمة البيوت ويذممن بكثرة الخروج، والخيام هي البيوت التي من الخشب والحشيش ونحو ذلك، وخيام الجنة من اللؤلؤ.

.تفسير الآية رقم (76):

{مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ (76)}
{مُتَّكِئِينَ على رَفْرَفٍ خُضْرٍ} الرفرف البسط، وقيل الوسائد وقيل رياض الجنة {وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ} العبقري الطنافس، وقيل الزرابي وقيل الديباج الغليظ، وهو منسوب إلى عبقري وتزعم العرب أنه بلد الجن فإذا أعجبتها شيء نسبته إليه.

.تفسير الآية رقم (78):

{تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (78)}
{تَبَارَكَ اسم رَبِّكَ} ذكر تبارك في الفرقان وغيرها، والاسم هنا يراد به المسمى على الأظهر، وقرأ الجمهور ذي الجلال بالياء صفة لربك، وقرأ ابن عامر بالواو صفة للاسم، وقد ذكر معنى ذي الجلال والإكرام.

.سورة الواقعة:

.تفسير الآيات (1- 3):

{إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3)}
{إِذَا وَقَعَتِ الواقعة} يعني إذا قامت القيامة فالواقعة اسم من أسماء القيامة، تدل على هولها كالطامة والصاخة وقيل: {الواقعة} الصيحة وهي النفخة في الصور {لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ} يحتمل ثلاثة أوجه: الأول: أن تكون الكاذبة مصدر كالعافية والمعنى ليس لها كذب ولا رد. الثاني أن تكون كاذبة صفة محذوف كأنه قال: ليس لها حالة كاذبة أي هي صادقة الوقوع ولا بدّ، وهذا المعنى قريب من الأول. الثالث أن يكون التقدير: ليس لها نفس كاذبة أي تكذيب في إنكار البعث، لأن كل نفس تؤمن حنيئذ {خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ} تقديره: هي خافضة رافعة، فينبغي أن يوقف على ما قبله لبيان المعنى، والمراد بالخفض والرفع أنها تخفض أقواماً إلى النار وترفع أقواماً إلى الجنة، وقيل: ذلك عبارة عن هولها، لأن السماء تنشق والأرض تتزلزل وتمر، والجبال تنسف فكأنها تخفض بعض هذه الأجرام وترفع بعضها.

.تفسير الآيات (4- 6):

{إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4) وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (5) فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا (6)}
{إِذَا رُجَّتِ الأرض رَجّاً} أي زلزلت وحركت تحريكاً شديداً وإذا هنا بدل من إذا وقعت ويحتمل أن يكون العامل فيه خافضة رافعة {وَبُسَّتِ الجبال بَسّاً} أي فتت وقيل: سيرت {هَبَآءً مُّنبَثّاً} الهباء ما يتطاير في الهواء من الأجزاء الدقيقة، ولا تكاد ترى إلا في الشمس إذا دخلت على كوّة قاله ابن عباس. وقال عليّ بن أبي طالب: هو ما يتطاير من حوافر الدواب من التراب، وقيل: ما تطاير من شرر النار، فإذا طفى لم يوجد شيئاً والمنبث المتفرق.

.تفسير الآيات (7- 11):

{وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً (7) فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (9) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11)}
{وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاَثَةً} هذا خطاب لجميع الناس لأنهم ينقسمون يوم القيامة إلى هذه الأصناف الثلاثة: وهم السابقون، وأصحاب اليمين وأصحاب الشمال، فأما السابقون فهم: أهل الدرجات العلى في الجنة، وأما أصحاب اليمين فهم سائر أهل الجنة، وأما أصحاب الشمال فهم أهل النار {فَأَصْحَابُ الميمنة مَآ أَصْحَابُ الميمنة} هذا ابتداء خبر فيه معنى التعظيم، كقولك: زيد ما زيد، والميمنة يحتمل أن تكون مشتقة من اليمن وهو ضد الشؤم وتكون المشأمة به مشتقة من الشؤم أو يكون الميمنة من ناحية اليمين والمشأمة من ناحية الشمال، واليد الشؤمى هي الشمال، وذلك لأن العرب تجحعل الخير من اليمين، والشر من الشمال، أو لأن أهل الجنة يحملون إلى جهة اليمين، وأهل النار يحملون إلى جهة الشمال، أو يكون من أخذ الكتاب باليمين أو الشمال {والسابقون السابقون} الأول متبدأ والثاني خبره على وجه العظيم كقولك: أنت أنت أو على معنى أن السابقين إلى طاعة الله هم السابقون إلى الجنة، وقيل: إن السابقون الثاني صفة للأول أو تأكيداً، والخبر {أولئك المقربون}، والأرجح أن يكون الثاني خبر الأول لأنه في مقابلة قوله: {فَأَصْحَابُ الميمنة مَآ أَصْحَابُ الميمنة}، {وَأَصْحَابُ المشأمة مَآ أَصْحَابُ المشأمة}، وعلى هذا يوقف على السابقون الثاني ويبتدئ بما بعده.